الأربعاء، 12 أبريل 2017

النمط القيادي والبيئة التنظيمية وأثرهما على تحقيق الولاء المؤسسي

مقدمة:
المؤسسات الناجحة تسعي بقوة لإثبات قدرتها على التطور المستمر المرتكز على وضح الرؤية نحو الاتجاهات المستقبلية في مجال الأعمال التي تخوض غمارها، معتمدة على عناصر قوة متفردة بها تضمن من خلال تفاعلها في بيئةتنظيمية مواتية قيادة قطاع أعمالها والتأثير على توجهاته الحالية والمستقبلية، ويتحقق ذلك بفاعلية أكبر عن إلتفاف العاملين حول القيادة ودعم القيادة للعاملين.
في هذه الورقة نتناول عدة موضوعات تربط بين القيادة والبيئة التنظيمية وأثرهاما في تحقيق الولاء المؤسسى الضامن الأعظم لتفاني العاملين وتبنيهم لكل ما يدعم تطوير المؤسسة .
ماهو النمط القيادي :
          يعد النمط القادي نوعاً من السلوك الذي يمارسه القادة الاداريون على فريق عملهم ليؤثر فيهم ويحركهم نحو تحقيق أهداف المؤسسة، وقد أثبتت الدراسات أن عدد القادة الاداريون قد حققوا نجاحات رغم إنتهاجهم لسبل مختلفة في قيدتهم وتوجيههم للعاملين‘ فمهم من يتعامل بالشدة والصرامة ومنهم من يعتد بإسلوب مرن ومنهم من يوازن بين عدة أساليب، وبناء على تعدد هذه الاساليب صنف العلماء ثلاثة أنواع من الأنماط القيادية هي:
1/ النمط الاوتوقراطي (Autocratic) :
-        وتتسم فيه القيادة بالتسلط والديكتاتورية، نظراً لتمترس القائد خلف سلطته والتلويح بها كأساس قوي لقراراته وتصرفاته، وكوسيلة ضاغطة على العاملين لإنجاز الاعمال، مع إحتفاظه بحقه الكامل في التوجيه وإصدار الأوامر . فكافة العمليات الادارية تبدأ وتنتهي عنده.
-        في غالب الحال لا تعير هذا النوع من القادة العاملين معه أي نوع الرفق فيما يلي المخالفة واعتراض الأوامر ولا يأبه بالتواصل الانساني إال بالقدر الذي يحقق مآربه وأهدافه . وهذا النمط يجعل من العاملين أدوات إنتاج وأداء، ويكون الاتصال الاداري في أضيق مستوياته.
2/ النمط الشوري – الديمقراطي (Democratic) :
-        ويسمى كذا القيادة بالمشاركة، فالمرؤوس هنا يستشار ويشارك في العمليات الادارية بدأ وختماً، فهو جزء من التخطيط ووضع الاهداف والسياسات، والتنفيذ وتوجيه الموارد، وتحريك الجهود وقياس النتائج.
-        وهنا تتعدد وجهات النظر وتأخذ عمليات إتخاذ القرار منحي (صناعة القرار) في خطوات متتابعة من الأسفل الى الاعلى، وأفقياً كذلك بما يضمن سماع وجهات نظر متعددة وإثراء المحتوى المعلوماتي لعملية صناعة القرارات.
-        والقائد الشوري يرى حسب نمطه القيادي أن قدرات العاملين تمثل فرصة للمؤسسة لابد من اغتنامها والاستفادة منها.
-        كما يتسم هذا النمط بالتفويض الواسط النطاق والاتصال الاداري المفتوح والقدرة على التواصل بين كافة المستويات بالمنظمة.
 3/ النمط الحر : (Free Style) :
-        والبعض يسميه النمط الفوضوي أو قيادة عدم التدخل، وفي هذا النمط يترك القائد للعاملين الحرية كاملة لممارسة نشاطاتهم واتخاذ القرارات ولا يتدخل الا في الحد الادني أو عند نشوء نزاعات، وتصح هذه الطريقة عند وجود كوادر ادارية تتصف بالقدرة العالية على أداء المهام مسلحة بالتدريب الجيد والمستمر .
-        ولا يعني ترك القائد لمرؤوسيه الحرية دون أي مستوى من الرقابة بل يحتفظ لنفسه بحقه في التدخل عند الحاجة والضرورة القصوى.
البيئة التنظيمية (الهياكل والناس) وأثرها على ولاء العاملين:
نعني بالبيئة التنظيمية للمؤسسات التركيبة الهيكلية للمؤسسة بما تضمنه من مستويات الاتصال وخطوط السلطة وعلاقات العمل التي تنتج بدورها مجموعة من المواقف والقرارات والإتجاهات التي تشكل روح وثقافة المؤسسة وتؤثر على مجمل التعاملات والتي تشكل البيئة الداخلية، هذا مع الاخذ في الاعتبار ازدواج التركيبة البيئية الدخلية ما بين العلاقات التنظيمية والاجتماعية، التي تحكم (السلوك التنظيمي).
وجدير بالاشارة أن البيئة التي نعمل ضمنها تتشكل بفعل عدة عوامل قد تكون مواتية أو غير مواتية حسب التأثير الذي تحدثه، ويمكننا استعراض بعض العوامل المؤثرة على البيئات التنظيمية :
§        الصراع: حيث يتسم العصر الحاضر بزيادة حدة القلق والتوتر لدى فئات كثيرة من الناس مما يخلق بيئة تنظيمية غير صحية تزداد فيها الصراعات والمواجهات بين أعضاء المنظمات.
§        التوتر:  ينعكس هذا التوتر والقلق سلباً على السلوك الوظيفي بشكل عام وعلى مستوى رضا الموظف عن عمله بشكل خاص وبالتالي ولائهم له وللمؤسسة.
§        ضغوط العمل: أثبتت الإحصاءات المنشورة أن نسبة ضغوط العمل والآثار الفادحة المترتبة عليها تزيد في البلدان المتقدمة عن مثيلاتها في الدول النامية (70% من العاملين في بريطانيا، 76% في الولايات المتحدة الأمريكية يعانون من ضغوط العمل)، هناك كذلك شواهد كثيرة تدل على أن ظاهرة انتشار ضغوط العمل والتوتر والقلق الناجم عنها في ازدياد مطرد في المنظمات العربية وبصفة خاصة وسط القيادات العليا في تلك المنظمات، أو لدى أولئك الذين يمارسون أعمالهم في ظل بيئة تتسم بحدة المنافسة وحتمية الوفاء بمعدلات انتاج عالية وفق جداول زمنية صارمة مما يضاعف من الآثار السالبة لتلك الظاهرة. وتتمثل المحصلة النهائية لحالة القلق والتوتر هذه في المظاهر التالية:
§        ضعف العلاقات الإنسانية الإيجابية بين العاملين أنفسهم، وبينهم وبين الإدارة
§        تدني مستوى الرضا الوظيفي والولاء التنظيمي.
§        زيادة الإقبال على استهلاك المسكنات والمهدئات
§        قد يلجأ البعض إلى تعاطي المفترات والمخدرات كوسيلة للتخلص من الآثار السلبية لهذه الضغوط.
مما لا شك فيه أن البيئة التنظيمية تؤثر على السلوك التنظيمي الذي يتعزز بإتجاهات تنتج عن التفاعل الداخلي بين مكونات التنظيمي مع الانسان والتأثير المتبادل بينهما، اذا كانت هذه الاتجاهات تمثل الرأي الرسمي أو غير الرسمي، هذه الاتجاهات تؤثر كذلك في الولاء الوظيفي ورغبة العاملين في التفاني في العمل، والاستعداد للتضحية لتحقيق أهداف المنظمة ومدها طواعية بالافكار والابتكار لتحويلها الى أعمال مربحة والى خدمات ناجحة، فالعامل هنا لا يعمل مضطراً بل راغباً يستمتع بما يقدم ويجتهد في التميز والتجويد. العمل ضمن هذه المستويات يحتاج لبيئة داعمة لتحقيق الولاء، قادرة على استيعاب أهميته وتأثيرهم على عمليات الانتاج وأداء العمل وتطويره. ويتستفيد المؤسسات من ولاء لعاملين حيث انه يمثل التالي :
         حالة عقلية لدى الموظف تجعله يحب المؤسسة ويرغب بالاستمرار بها.
          وحالة نفسية شعورية تدفع الموظف إلى ”المواطنة التنظيمية“.
          وحالة من الحض الدائم على الالتزام، فكلما  كانت درجة الولاء مرتفعة ، كان الإلتزام عالياً.
          والولاء المؤسسي يجعل الفرد يتحمل مسؤولية نجاح الفريق والمؤسسة.
          والإلتزام أنواع : التزام البقاء، والتزام العاطفة، والتزام الواجب. يتنقل بينهما الافراد تبعاً لعوامل متعددة أهمها نمط وتصرفات القيادة الادارية بالمؤسسة.
هنا يأتي دور القيادة الادارية في تشكيل هذه البيئة وترسيخ مبادئ وأسس الولاء ودعم الابداع والابتكار وتطوير العلاقات الداخلية والاستفدادة منها للوصول الى اعلى مستوى من التفاني، فالاصل في أي نظام اداري هو خدمة الاهداف، فان ثبت جدواه فهو النظام الذي نريد إما لابد من تعديله لتناسب مع أسباب وجوده والتي ضمنها تحقيق الولاء المؤسسي.
وعلى القيادة ملاحظة مؤشرات مهمة تستطيع من خلالها تدعيم عملية بناء الولاء، من أهم هذه المؤشرات:
1)     انخفاض معدلات الغياب والتأخير عن الدوام والاستياء والتزمر، لتحل محلها المشاعر الايجابية والتصرفات السلوكيات المحببة والداعمة للانتاج والعمل.
2)      الرغبة في العمل وتحمل المسؤولية.
3)      التصرف كما لو كان الموظف هو صاحب العمل.
4)      يتكلم الموظف عن مؤسسته بإيجابية وفخر ويدافع عنها باستماته.
5)      إحترام وإتباع نظم المؤسسة وتعليماتها والحرص على انفاذ الخطط والبرامج.
6)     دمج الأهداف الشخصية للموظفين مع أهداف المؤسسة.
7)     التوافق مع قيم الفريق وقواعده السلوكية.
8)      الشعور بالعضوية والانتماء للفريق وعدم رغبتهم في تركه.
9)      ارتفاع الروح المعنوية ودرجات الرضا عن المؤسسة في مجموعها.
10)  ارتفاع درجة (المواطنة التنظيمية).
أدوات القيادة في تحقيق الولاء المؤسسي :
          القيادة الادارية تطلع بأدوار كبيرة ؛ وهي الاعظم داخل المؤسسات، وتؤثر على مجمل الاتجاهات والعمليات الادارية، ودورها هو التوجيه الواعي لجهود العاملين والموارد وتحسين معدلات الانتاج بما يتطابق مع النتائج المتوقعة عند تحقيق الاهداف، ويتم كل ذلك في اطار بيئة تنظيمية سليمة ومتناسقة يدعمها ولاء مؤسسي عالي.
          نستعرض هنا بعض الادوار القيادية التي تدعم عملية الولاء المؤسسي وتنميها:
§        إن القائد الإداري الحصيف يدرك تماماً أن الموظف هو حجر الزاوية لدى المنشأة لكونه الأداة الفعالة التي تقود المؤسسة للاضطلاع بمسؤولياتها وخدمة المجتمع.
n     لا شك أن نمط القيادة الشورية - الديمقراطية من المؤشرات الإيجابية الفعالة في إدارة المؤسسات ويحقق الولاء الوظيفي للموظف.
للقائد عدد من السمات، من أهمها:
©    اضطلاعه بدور كبير في خلق روح التعاون بين الموظفين والعاملين بإدارته أو مؤسسته وجعلهم يعملون بروح الفريق الواحد ليتولد لديهم الشعور بالانتماء لتحقيق الأهداف ،مما ينعكس إيجاباً على حماسهم لتحقيق أهدافهم الخاصة
©    بروز الجانب الإنساني في علاقته مع مرؤوسيه ومشاركته لهم في مناسباتهم المختلفة وإشعارهم بأن علاقتهم معه ليست متوقفة على حدود العمل الرسمي
©    اهتمامه بمشكلات مرؤوسيه واحتياجاتهم الشخصية
©    إشراكه للموظفين في اتخاذ القرارات بإبداء آرائهم وملاحظاتهم مما يساهم في تحقيق أهداف العمل وينمي شعور الموظفين بتحقيق ذواتهم.
©    القيام بالتنظيم والتنسيق لجهود مرؤوسيه بشكل يؤدي إلى توحد العمل وعدم الازدواجية
©    ممارسة العدالة عند التكليف بالمهمات أو الترشيح للدورات أو عند منح الامتيازات
©    توزيع المسؤولية ومنح الموظف السلطة المتكافئة مع قدراته وإمكانياته وإعطاؤه قدراً من الحرية لتنفيذ العمل بالطريقة التي يرغب بها دون تأثير سالب على الآخرين
©    التوسع في تفويض السلطات للمرؤوسين واكتشاف المواهب الكامنة وتفجير الطاقات المخزونة لدى الموظفين
©    عدم الجمود والتقيد بحرفية التعليمات أو التمسك بالروتين القاتل
©    الاعتقاد بوجود الفروق الفردية بين الأفراد وأهمية القدرات والاستعدادات والميول لدى الموظفين بشكل يؤدي للتكيف في العمل والشعور بالأهمية الذاتية فيتحقق الرضا الوظيفي لدى الموظف.
©    اختيار الموظفين للمهام استناداً إلى كفاءتهم وقدرتهم لا اعتمادا على المحسوبية والمحاباة
©    إن القائد الديمقراطي يبحث عن الفعالية EFFECTIVENESS بينما نجد أن المدير يكافح في سبيل تحقيق الكفاءة.
©    عدم الخوف من الاعتراف بالخطأ
©    الاستعداد لنسبة الفضل إلى أهله وعدم التسلق على أكتاف الآخرين
لذا نجد القادة يحرصون على تقديم ضمانات للعاملين تحقق الولاء تتسم بالمصداقية والاستمارية والاستقرار، أهمها:
1)     الضمان المــادي: (كسب العيش + الأمان الوظيفي + تناسب الاجر مع العمل + التأمين على الحياة والصحة وتقديم الخدمات المجانية أو المدعومة كالتعليم للابناء والسكن وخلافه)
2)      الجانب الاجتماعي: (الاحترام + الانتماء + العلاقات + المساواة + العدالة)
3)      الجانب النفســي: (إثبات الذات + التقدير المعنوي+ الأمان الوظيفي)
4)      الجانب العقلــي: (المشاركة + الإبداع + اتاحة فرص للمبادرة + التطوير المهني والتدريب)
خاتمة:
مما سبق يتضح لنا أن الادوار القيادية ذات أهمية عالية ومحورية في دعم عملية تحقيق الولاء والانتماء المؤسسي وتجعل من العاملين داعمية وقوة لا تقهرها التحديات‘ فهي جاهزة معنوياً ونفسياً لبذل كل طاقة لجعل المؤسسة قادرة على بلوغ أهدافها، والوصول الى مستويات التميز ذلك طالما أننا نعمل ضمن بيئة سليمة ومعافاة تتسم بالتحضر والرقي والركيز على المستقبل .


الخرطوم

 8 ابريل 2017 م