إن المتتبع للأعمال المنشورة في مجال تقييم التدريب يجد فيها تقارباً
في وجهات النظر ، فهي تؤكد على أن هناك مستويات للتقييم وإن اختلفت تسمياتها .
وعندما يثار سؤال عن المستوى المناسب للتقييم تظهر مجموعة من الإجابات المتناقضة
حيناً والمتآلفة حيناً آخر .
على أنه من العبث أن نجادل في تفضيل مستوى من المستويات على الآخر ،
لأن كل مستوى منها يخدم فئة معينة ، فالمدرب ربما يقتنع بتقييم يزوده برأي
المشاركين في البرنامج في أدائه ، عسى أن يساعده ذلك في أن يكون اداؤه مستقبلاً
اكثر فعالية وأن يساعد الجهة المستفيدة من التدريب على تحقيق أهدافها . ولذا فإن
النقاش يجب أن لا يكون حول أفضلية أو أهمية مستوى على آخر بقدر ما أن جميع
مستوياته مهمة ، ولكن لفئات مختلفة يعنيها أمر التدريب .
نماذج التقييم:
1-
نموذج " كورب Korb ": يعتقد "كورب Korb" أنه يمكن تقييم
التدريب الاداري بالاعتماد على ثلاث معاير الأول ، يركز على قياس فعالية التدريب
كعملية ، أي معرفة مدى التقدم الذي أحرزه المشاركون في البرنامج ، من حيث
المعلومات والمهارات والاتجاهات التي اكتسبوها ويتناول الثاني ، اثر التدريب على
سلوك المتدرب بعد انتهاء البرنامج التدريبي والتحاقه بجهة عمله ، من حيث قدرته على
ترجمة المعلومات المكتسبة الى سلوك واتجاهات وظيفية إيجابية ، ومدى إسهام التغير
الحاصل في سلوكه واتجاهاته في تحقيق فعالية المنظمة ، ومدى الانسجام مع الاهداف
المتوقعة من البرنامج التدريبي ، ويناقش الثالث ، أثر التدريب على المنظمة ككل .
وهذا يتضمن معرفة أثر التدريب على نجاح المنظمة ، من حيث الزيادة الإنتاجية ، ورفع
الروح المعنوية للعاملين ، وتحسين نظم الاتصالات ، وتحقيق الرضى العام للجمهور عن
السلعة أو الخدمة المنتجة ، والقدرة على مواجهة المستقبل وتحدياته .
2-
نموذج "
كيركباتريك ": يجد هذا النموذج قبولاً لدى المتخصصين في الموضوع ، إذ تبناه "
هامبلين Hamblin "و "هجارث Hogarth " . ويقوم هذا النموذج على تقييم التدريب وفق اربعة مستويات
هي :
أ-
رد الفعل Reaction : يرى " كيركباتريك" أن تبدأ عملية التقييم بقياس رد الفعل
وانطباعات المتدربين حول التدريب . ويهدف هذا المقياس الى معرفة مدى رضى المشاركين. ويتم هذا القياس عادة بالاعتماد على استبيان ، بهدف الحصول على ردود
الفعل في صورة كمية قدر الامكان . ويراعى في اعداد الاستبيان جملة من الاعتبارات
منها : عدم ذكر اسم المستجوب ، والسماح للمتدربين بكتابة تعليقاتهم وملاحظاتهم على
الموضوعات التي لم يات عليها الاستبيان بالسؤال . كما قد يتم بالاعتماد على مقابلة
تجريها هيئة التدريب في البرنامج مع المتدربين ، وقد يتم ذلك أيضاً من خلال جلسة تقييم
تجرى قبيل انتهاء البرنامج ، بحيث ياخذ المتدربون خلالها الفرصة لإبداء آرائهم في
البرنامج . ويعتبر هذا المستوى من التقييم محدود الفائدة ، لتأثر المتدربين بشخصية
المدربين وبالمناخ العام المحيط بالبرنامج ، مما يؤثر في موضوعية ردود أفعالهم
،ويوجد انطباعاً لديهم أن التدريب كان فعالاً وقد لا يكون بالضرورة كذلك .
ب-
التعلم Learning : يعتبرهذا المستوى أكثر صعوبة في قياسه من المستوى السابق . ويعنى
بقياس ما تم فهمه واستيعابه من قبل المتدربين من المبادئ والحقائق والاساليب ، من
غير أن يتناول بالتقييم مدى استخدام هذه المبادئ والحقائق والأساليب في محيط
العمل. ويرى "كيركباتريك" ، أن قياس التعلم في البرامج التدريبية
التي تهدف الى إكساب مهارات أسهل نسبياً من قياسه في البرامج التي تهدف الى تزويد
المتدرب بمعارف ومعلومات تتعلق بالمبادئ والحقائق .ولاستخدام هذا المستوى من التقييم فإن ثمة شروطاً لا بد من مراعاتها ،
أهمها : اختبار جميع المتدربين قبل بدء البرنامج وبعده ، ثم مقارنة نتائج
الاختبارين . وأن يغطي الاختباران جميع المواد التي تم تعلمها ، وأن يتم القياس
بشكل موضوعي ما أمكن ، وفي ضوء الأهداف التدريبية للبرنامج . وان يتم استخدام
مجموعة ضابطة Control
Group لمقارنتها مع مجموعة
التجربة Experimental
Group ، وان يتم أخيراً ،
التعبير عن نتائج التقييم إحصائياً بهدف معرفة مستوى التعليم في صورة ارتباطات
ومستويات ثقة معينة .
ج- السلوك Behavior : يعتبر هذا المستوى من التقييم اكثر صعوبة من سابقيه ، ويعنى بقياس
التغيرات التي طرأت على سلوك الفرد في العمل نتيجة للبرنامج الذي شارك فيه .
والسؤال الكبير الذي يطرح هنا ، ويتضي إجابة ، الى أي مدى استطاع
المشاركون تطبيق ما تعلموه في البرنامج؟
إن هذا المستوى من التقييم يفرض اتباع الخطوات التالية :
1-
إجراء تقييم للأداء
الوظيفي للمتدرب قبل الالتحاق بالبرنامج التدريبي وبعده .
2-
إجراء التقييم من
قبل المشرف على التدريب أو من قبل مرؤوسيه أو أقرانه أو زملائه ، أو من قبلهم
جميعاً
3-
إعداد تحليل إحصائي
لمقارنة أداء المتدرب قبل بدء البرنامج وبعد الانتهاء من تنفيذه بفترة كافية تسمح
للمتدرب من تطبيق ما تعلمه في البرنامج في موقع عمله .
4-
استخدام مجموعة
ضابطة ومجموعة تجربة .
بالرغم من المزايا
التي يقدمها هذا المستوى من التقييم ، فإن هناك من يرى صعوبة إجرائه ، ذلك لان
المتدرب عندما يترك قاعة التدريب ويقفل راجعاً الى عمله تبرز احتمالات عديدة تؤكد
هذه الصعوبة ، أهمها :
1-
تداخل أثر التدريب
بآثار العوامل الأخرى في بيئة العمل .
2-
تلاشي آثار التدريب
إذا لم تكن بيئة العمل مساعدة على الاحتفاظ بها وتنميتها
3-
عدم توافر الفرصة
للمتدرب لتطبيق ما تعلمه ,
4-
عدم ظهور آثار التدريب
على سلوك المتدرب في عمله مباشرة .
د- النتائج Results : يقصد بهذا المستوى تقييم البرامج التدريبية في ضوء النتائج المرجوة
والمرغوبة ، كأن يتم قياس أثر البرنامج التدريبي على معدل دوران العمل والتكلفة
والروح المعنوية للعاملين وغيرها ، بوصفها أهدافاً متوقعة ومرغوبة للبرنامج
التدريبي مقارنة بالعوامل الأخرى .
-
رد الفعل اقل قيمة متكرر نسبياً سهل نسبياً
-
التعلم
-
السلوك
-
النتائج أعلى قيمة غير متكرر نسبياً صعب نسبياً
3-
نموذج هامبلين Hamblin :
يرى " هامبلين " أن هناك خمسة مستويات للتقييم ، وهو بذلك
قد تبنى تقسيم "كيركباتريك" وأضاف إليه مستوى آخر ، على النحو التالي :
أ-
رد الفعل : يحاول هذا
المستوى التعرف على ردود أفعال المتدربين تجاه التدريب ، أي معرفة آراء المتدربين
في أسلوب التدريب ، وفي مقدار الفائدة المتحققة من التدريب ، ومدى ما وفره
البرنامج من متعة وإثارة .
ب-
التعلم : يحاول هذا
المستوى التعرف على مدى قدرة المتدربين على تطبيق ما تعلموه وترجموه الى سلوك في
موقع العمل.
ج- السلوك :
يحاول هذا المستوى التعرف على مدى قدرة المتدربين على تطبيق ما تعلموه وترجموه الى
سلوك في موقع العمل.
د- أداء المنظمة : يحاول هذا المستوى تقدير اثر الاتجاهات
الايجابية والتغيرات السلوكية الناتجة عن التدريب . ويهدف هذا التقييم الى معرفة
التغيرات التي أحدثها التدريب على الأداء التنظيمي كماً ونوعاً .
ه- النتائج الإضافية : ويقصد بها النتائج الأخرى التي لم يتم قياسها من خلال مستويات التقييم
السابقة ، مثل " القيمة الاجتماعية للتدريب "Social Value of Training " ، والى أي حد يشعر المتدربون أنهم أصبحوا في
حالة أسعد وافضل ، ومدى إسهام التدريب في تحقيق رضى المتدربين وإشباع حاجاتهم و
تحقيق أهدافهم الشخصية .
4-
نموذج باركر Parker :
كما هو الحال في نموذج " كيركباتريك" ، يقسم
"باركر" مستويات التقييم الى اربع ، هي .
أ-
الأداء الوظيفي Jop Performance: وهذا
يقرر مدى تحسن أداء الفرد في وظيفته ، وذلك بالاستناد الى عدد من المؤشرات .
ب-
اداء الجماعة Group Performance :ويقرر هذا النوع من التقييم أثر البرنامج على
أداء الجماعة وعلى المنظمة ككل ، وذلك بالاستناد الى عدد من المؤشرات كذلك . ويتصف
هذا النوع من التقييم بصعوبته ، نظراً لوجود عوامل أخرى غير التدريب ذات اثر في
أداء الجماعة .
ج- رضى المشاركين Participants Satisfaction : يحدد هذا النوع من التقييم مدى رضى المشارك عن البرنامج ، وذلك
بالاعتماد على أسلوبي الاستبيانات والمقابلات عند الانتهاء من تنفيذ البرنامج .
د- المعرفة المكتسبة للمشارك Knowledge Garticipant : يحدد هذا النوع من التقييم الحقائق والأساليب والمهارات التي
استوعبها المشارك في البرنامج التدريبي . وهنا يتم استخدام اختبارين : أحدهما قبلي
، والآخر بعدي . ويعتقد " باركر " أن هذا النموذج والنموذج الذي سبقه من
أكثر النماذج شيوعاً في الاستخدام في دراسات التقييم .
يتضح من العرض المتقدم لنماذج التقييم ما يلي :
1-
تركز مختلف نماذج
التقييم على قياس نتائج التدريب ، سواء تعلقت هذه النتائج بالتغيرات التي احدثها
البرنامج مباشرة وذلك في حالة تقييم رد فعل وتقييم التعلم . او تعلقت بالتغيرات في
سلوك الفرد وإنتاجية المنظمة التي يكون البرنامج سبباً في إحداثها ، وذلك في حالة تقييم
السلوك وتقييم أداء المنظمة .
2-
ثمة صعوبات عملية
عديدة تحول دون إجراء التقييم على المستويات الأربعة (مما جعل الاعتماد على تقييم
رد الفعل في الأوساط التدريبية بالرغم من عيوبه وسطحيته كبيراً ) . هذه الصعوبات
تجعل الجهة المستفيدة من التدريب امام خيارين صعبين : إما تبني أساليب للتقييم
تضمن ثقة اكبر بالنتائج أو معرفة اكثر بجدوى التدريب وبعوائد استثمارات التدريب ،
وفي ظل هذا الخيار لا بد لها من اللجوء الى مستويات التقييم الأخرى ( غير مستوى رد
الفعل )، مع ما يصاحب ذلك من القيام بمجموعة من الاجراءات المعقدة والمكلفة . وإما
عدم إجراء عملية التقييم وجعلها في حيرة قاتلة وشك دائم في جدوى التدريب.
3-
ثمة علاقة سببية
بين مختلف مستويات التقييم ، فردود الفعل التي يبديها المتدرب قد تكون إيجابية
تجاه البرنامج إلا أنه يخفق في التعليم ، أو قد لا يطبق ما تعلمه في أداء واجبات
ومسؤوليات وظيفته ، أو قد يحدث التغيير في السلوك الوظيفي ولكنه لا يظهر تأثير ذلك
على أداء المنظمة . كذلك تبرز العلاقة السببية بين هذه المستويات في اعتماد كل
مستوى يتم عنده التقييم على مستوى التقييم السابق له.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق