الثلاثاء، 1 مايو 2018

اصلاح الدولة ومحاربة الفساد

قال الله عز و جل في كتابه الكريم: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم عذاب عظيم)                     (سورة المائدة الآية 33)
 (ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذي عملواْ لعلهم يرجعون)  (سورة الروم الآية 41) 
الفساد افة مجتمعية عرفتها المجتمعات الانسانية منذ فجر التاريخ ، وهو مرض عضال تحمله كل الدول والمجتمعات سواء اكانت غنية ام فقيرة، متعلمة ام جاهلة، دكتاتورية ام ديمقراطية ، قوية ام ضعيفة . وللفساد صور مختلفة،  ويرتبط ظهوره واستمراره برغبة الانسان في الحصول على مكاسب يعتقد في قرارة نفسه انه ليس له حق فيها ومع ذلك يسعى اليها . لذا فهو يلجأ الى وسائل سرية للوصول اليها، او الحصول.

ان صور الفساد المؤلمة للجميع تجعل منه تحدياً جدياً وكبيراً للحكومات والمجتمعات معاً الامر الذي يفترض وجود خطط وجهود متكاملة ومتفاعلة تستهدف التخلص من هذا الخطر وازالة اثاره ، على ان هذا الامر يستلزم جهودا واسعة في مجالات عديدة اقتصادية واجتماعية وقانونية وتربوية وذلك لان الفساد المالي والاداري هو ثمرة طبيعية لاوضاع شاذة وسلبية في تلك المجالات فغياب المساءلة القانونية مع وجود ثغرات في التشريعات الحكومية النافذة قد يستغلها المفسدون فضلاً عن ضعف الوازع الديني والاخلاقي والخطأ أحياناً قليلة، وينمو مع وجود عادات وتقاليد اجتماعية قد تقبل ولاتستنكر الفساد أو تضعف في معالجته.

يعد الفساد اليوم ظاهرة عالمية شديدة الانتشار، ذات جذور عميقة تأخذ ابعاداً واسعة تتدخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينهما ، وسيكون الفساد هو التحدي الاهم والوريث المتوقع للارهاب وحالة الفوضى واللامحاسبية . والذي ستجد الحكومات والمجتمعات نفسها في مواجهته، وانطلاقا من تلك الخطورة سعت العديد من الدول والمنظمات المتخصصة والباحثين والمهتمين بهذا الشأن الى وضع الخطط والاستراتيجيات الضرورية لمواجهة الفساد والحد من اثاره السلبية
أسباب الفساد:
للفساد - بانواعه المختلفة - اسباب متشعبة ومتداخلة ومعقدة اهمها :
انحلال البناء القيمي وضعف الضوابط الاخلاقية في مؤسسات الدولة والمجتمع عموما مما يؤدي الى تغليب المصلحة الفردية على المصلحة العامة .
الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي توجه بعض الناس الى الافراط في الفردية مع تنامي سطوة التأثير المادي على المجتمع .

 غياب المساءلة بكل او معظم صورها ، وهو اما غيابي قانوني أي ان المنظومة القانونية لا تتضمن تنظيماً لاليات المساءلة فلا وجود لرقابة دستورية او مساءلة برلمانية ولا وجود لمؤسسات الرقابة الداخلية ...

وقد تكون المساءلة منظمة قانوناً ولها وجود في المنظومة القانونية ولكنها غير فاعلة ولا تؤدي دورها المرجو منها فوجودها كعدمه .
اختزال مفهوم النزاهة والصلاح والاستقامة لدى الانظمة الدكتاتورية والقمعية في الولاء للنظام او الحزب بدلا من القيم المبدئية وقيم المجتمع .
اختلال موازين توزيع الثروة على افراد المجتمع ، وغلبة الشعور بالغبن لدى غالبية افراد المجتمع مما يدفع ببعضهم الى ابتداع وسائل التربح والارتشاء واختلاس الاموال العامة كمحاولة فردية او منظمة غير مشروعة لاعادة التوازن المفقود .
النزعات السياسية المتحكمة في مفاصل التشريع والرقابة والتنفيذ والقضاء، مما يصعب عملية الإصلاح والمساءلة.
مفهوم إصلاح مؤسسات الدولة:
الإصلاح عموماً هو تعديل وتغيير الشئ من سيئ الى أحسن، وهو علاج العطب وإزالة أسبابه، أما إصلاح الدولة فهو معالجة أوجه الخلل والفساد والقصور في مكونات الدولة المتعددة، بما يشمل اصلاح السياسات ، إصلاح الهياكل، إصلاح الكادر العامل، إصلاح العمليات والمعاملات ، إصلاح أدوار الأجهزة الرقابية، وكل من شأنه التأثير سلباً على الأدوار اوكل ماتي تقدمها الدول بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
إن مفهوم الإصلاح مفهوم مستخدم بكثرة وتخصص، فنحن نجد الإصلاح الاداري، والاصلاح الزراعي، والاصلاح السياسي والاصلاح اللإقتصادي. مما يبين أهمية وإنتشار هذا المفهوم، وتنفيذه يعتمد على وجود ادارة وسياسية في الدولة للقيام بتغييرات قد تكون جوهرية تطال بنية الدولة ونظامها السياسي والاداري وقد يشمل تغيير الأفراد والنافذين في أدارة الأعمال ليتواكب ذلك مع تعديلات دستورية وتشريعية تسهم في تعديل هياكل الدولة ومؤسساتها وطريقة أدائها لأعمالها.
الحكم الراشد : المفهوم ، الخصائص:
                يرجع مفهوم الحكم الراشد إلى تعدد أشكاله فهناك حكم راشد أفضل من آخر في تحقيق النتائج، وهذا ما يعبر عنه في كون الحكم الراشد لا يحمل معيارا أتوماتيكيا واحدا ، وعلى هذا الأساس يتم التمييز بين حكم راشد سيئ وحكم راشد جيد وعليه يمكن القول أنه التسيير الجيد للموارد في المجتمع سواءا كانت المالية أو البشرية أو المادية فهي حركة تشاركيه إذ تسمح بالتسيير الدقيق للأملاك العامة ، وخلق الثروة، ولا يتم تطبيقه في الدولة فقط ، وإنما على المجتمع ككل و مختلف الفاعلين الاجتماعيين ، وهو لا يرتبط فقط بمشاكل الفساد و الانحراف ، وإنما يمتد إلى جميع مظاهر الحياة الاجتماعية ، و السلوكيات ، التربية، التكوين ، الهياكل ، التنظيم ..إلخ

  هناك العديد من الإشكاليات التي صاحبت المفهوم الراشد تتعلق أساسا بالاختلاف و عدم الاتفاق حول الخصائص ( الأبعاد ، المميزات ، الأسس ، المبادئ ) فالمظاهر الأساسية تتمثل في :

1- إدراك مشروعية السلطة . 2- موقع المواطنين من مركز اهتمامات صناع القرار. 3- مشروع مجتمع يرتكز على مشاركة المواطنين . 4- ملائمة الإدارة العامة مع احتياجات المواطنين
وبالنسبة للثقافة الغربية يتمثل الحكم الراشد في العناصر التالية : 1- الشرعية المؤسساتية . 2- الانتخابات الديمقراطية . 3- احترام حقوق الإنسان . 4- الانفتاح السياسي . 5- استقلالية القوانين . 6- المساواة . 7- المشاركة . 8- الشفافية . 9- 1الاتفاق الحكومي للأغراض العامة . 10 -صحافة مستقلة وفعالة . 11-الكفاءة الإدارية . 12- حرية تدفق المعلومات .
من الملاحظ التعاضد وعدم التنافر بين هذه المعايير والمفاهيم - مع ما سنطلع عليه لاحقا- والتي تأمل هذه المؤسسات بمساهماتها من الدول تبني رؤية واضحة في التعامل مع الإصلاح في مختلف الأوجه والمناحي بما يحقق حوكمة راشدة، تعزز من القدرات الداخلية للدول والمجتمعات .
قياس الحكم الراشد: ( المعايير )
هناك معايير وقيم مشتركة وشاملة تتجاوز الحدود الثقافية وقد سعت المنظمات الدولية لإيجاد خصائص مشتركة للحكم الراشد ، والبحث عن الأولويات المناسبة لتطبيقها ووضع مقاييس و مؤشرات لقياس نوعية الحكم الراشد .
إسهامات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP:
 يعتبر الحكم الراشد من جهة نظر UNDP على أنه العمليات و الهياكل التي تقود العلاقات السياسية و السوسيو اقتصادية بشفافية ومسؤولية وقد حدد العوامل التالية :
-المؤشرات: وتتضمن التربية ، الوصول إلى الحاجات القاعدية ودور المرأة . -الاقتصاد : النمو، التبعية المالية للموارد الخارجية . -القدرات البشرية و الاستدامة . -الموارد الطبيعية و التوجهات في مجال البيئة . -التنوع الثقافي و الديني و القيمي، الهياكل، الصراعات، استقطاب الوسائل الداخلية
 خصائص الحكم الراشد وفق UNDP في:  1- المشاركة : وتعني أن يكون للجميع رأي في صنع القرار سواءا بطريقة مباشرة أو من خلال مؤسسات الوساطة المشروعة . 2- حكم القانون : مؤسسات القانون يجب أن تكون عادلة وتولي الأهمية خاصة لقوانين حقوق الإنسان . 3- الشفافية : تبنى على حرية تدفق المعلومات حيث يمكن الوصول إليها من طرف المعنيين بها شريطة أن تكون المعلومات كافية وسهلة الفهم . 4- الاستجابة : محاولة المؤسسات خدمة العملاء و الاستجابة لمطالبهم . 5- اتجاه الإجماع : بالسعي لتسوية الخلافات في المصالح لتحقيق الاجماع حول المصالح الجيدة و التي تخدم الجماعة و السياسات و الإجراءات الممكنة لذلك . 6- العدالة : تساوي الفرص لتحسين الأوضاع و تحقيق العدالة . 7- الفعالية و الكفاءة : و المتعلقة بالمؤسسات و التي تؤدي إلى نتائج وفق الحاجات مع الاستعمال الجيد للموارد . 8- المساءلة : صناع القرار في الحكومة ، القطاع الخاص و منضمات المجتمع المدني تتم مساء لتهم من قبل الشعب . 9- الرؤية الإستراتيجية : القادة و الشعب لديهم أفاق واسعة و بعيدة المدى لتحقيق التنمية و لديهم شعور مشترك عن ما يريدونه من تلك التنمية .
مساهمات البنك الدولي : WB :       ينطلق البنك الدولي من فكرة تطوير المؤسسات التي تعرف على أنها مجموعة من القواعد الرسمية (الدستور القوانين و التنظيمات ، النظام السياسي ) و غير الرسمية (الثقة في المعلومات ، نظام القيم و العقائد ، المعايير الاجتماعية )التي تحكم سلوك الأفراد و المنظمات ( الشركات، النقابات ، المنظمات الغير الحكومية ) . وهذا من خلال التركيز على تسعة مواضيع :  1- المؤسسات السياسية و الحريات المدنية . 2- أمن الأشخاص و الممتلكات . 3- وظيفة الإدارة العامة. 4- حرية سير عمل الأسواق . 5- الإبداع الأحكام القانونية للمستقبل . 6- أمن المعاملات . 7- تنظيم السوق . 8- الانفتاح على الخارج . 9- التماسك الاجتماعي .
ومن جهة نظر البنك الدولي فان الحكم الراشد يتمثل في قيمتين متماثلتين :
1- المشاركة الواسعة:
و تتضمن هذه العملية المساواة بين كل الأطراف المشاركين و بالتالي فهي عملية دمج ولا تستبعد أي طرف .حيث تقضي آليات التعريف و حماية الحقوق الأصلية للأفراد .و الطريقة التي تتعامل بها الحكومة مع المواطنين .
2- المساءلة:
وتشير هذه الخاصية إلى مفهوم التمثيل و يعني ذلك مساءلة كل من تم اختيارهم للحكم باسم الشعب سواءا على إخفاقاتهم أو نجاحا تهم وهذه المساءلة و تعتمد على المقاييس التي تشجع مسؤولي الحكومة على العمل بطريقة صادقة و فعالة و نزيهة .
دراسات البنك الدولي تركز على محاربة الفساد في الإدارة العامة وتعتبر  ظاهرة الفساد الخاصية الأساسية المميزة للحكم الراشد السيئ و التي تترجم من خلال التفظيلية و المحسوبة والرشوة. فالفساد يتعارض مع التضمينية و هذا مرتبط بغياب المساءلة. ويعرف الحكم الصالح وفق البنك الدولي على أنه ممارسة السلطة باسم الشعب، وبالتالي ممارسة تلك السلطة بطريقة تحتمل الإدماج و القوانين والاحتياجات كل ما يتعلق بالدولة و يعني ذالك ضرورة الانتقال بالإدارة الحكومية من الحالة التقليدية إلى الحالة الأكثر تفاعلا واندماجا بين الأطراف الثلاثة ( الإدارة الحكومية، إدارة القطاع الخاص، إدارة مؤسسات المجتمع المدني ) وذلك بمشاركة الجميع في اتخاذ القرارات، وهذا ما يعد أساس الشرعية غي الأنظمة الديمقراطية. ومنه فإن مفهوم الحكم الراشد لا يقتصر فقط على إطار الدولة بل يمتد إلى القطاع الخاص هذا الأخير الذي عليه الأخذ بعين الاعتبار احتياجات المواطنين و في هذا المجال لا تقتصر وظيفة مراقبة الشفافية والفساد والمساءلة على المساهمين فقط وإنما تشمل مختلف الجماعات ومؤسسات المجتمع المدني .
مجالات إصلاح الدولة:
تشمل عملية الإصلاح التي جرى طرحها قبل عامين إصلاح الحياة السياسية، والهياكل العدلية والنظامية والأمنية و تضم فصلين؛ الأول يتعلق بالإصلاح في الحزب وعلاقاته مع الآخرين والحياة السياسية بصورة عامة، والثاني يشمل الإصلاح السياسي في البلاد، وتشمل محاور الاصلاح سبع هى :
أولا : الإصلاح الإقتصادي بمختلف قطاعاته المالية والنقدية والإنتاجية والخدمية والعلاقات الإقتصادية الخارجية وذلك بتقوية هياكلها ومؤسساتها وانعكاساتها على ترقية حياة المواطن.
ثانيا : الإصلاح الإجتماعي بتقوية الشرائح الضعيفة وتلك التي تأثرت بالإصلاح الإقتصادي وحمايتها بمختلف التدابير متضمنة الدعم المباشر وغير المباشر وإيجاد آليات التمويل لصغار المنتجين من الأسر والأفراد , الإهتمام بمشروعات الطلاب وتمويلها ومشروعات المرأة الريفية وتقوية مصرف الإدخار وكافة آليات التمويل الإجتماعية. ثالثا : إصلاح الخدمة المدنية وتنمية مواردها البشرية بتحقيق مبدأ العدل والمساواة ومراجعة تشريعاتها وآلياتها على المستويين القومي والولائي .
رابعا : الإصلاح في جانب العلاقات الخارجية وذلك إحاطتا بالمتغيرات القطرية والإقليمية والدولية والربط بينها بما يجيرها لصالح البلاد خاصة في ظل الإستهداف الخارجي المتنامي المستر والمعلن لتعويق مسيرة البلاد
خامسا : الإصلاح التشريعي والقانوني والعدلي وهو قاسم إصلاح مشترك بين كل المناحي الإقتصادية والإجتماعية والإدارية والتي تمثل حجر الزاوية في إصلاح الدولة وذلك باتساق وموائمة القوانين والتشريعات وضمان عدم تضاربها وتقاطعها، كما يهدف الاصلاح في هذا المجال لإجراء الاصلاحات الهيكلية والتشريعية لتفعيل الاجهزة العدلية وضمان استقلالها ومهنيتها وكفاءتها وقدرتها على الفصل السريع والعادل واعادة الرقابة القضائية والاهتمام بالتدريب.
سادسا : الإصلاح الإعلامي يشمل كل أدوات وآليات أجهزة الإعلام , لسان حال الدولة والمجتمع , والمرآة العاكسة لكل جهود الإصلاح بصورته الكلية والتي تمثل سلطة رقابية مسئولة, رقابة تبني ولاتهدم, إعلام قوي ومتوازن يتفاعل مع الواقع دون تفريط بأمن البلاد ومصالحه العليا
سابعا : استكمالا لحلقات الإصلاح كان الإهتمام بقضايا الأمن والدفاع وتأهيل وتقوية هياكل المؤسسات العسكرية والأمنية والشرطية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق