بسم الله الرحمن
الرحيم
ورقة حول: من أجل مؤسسات تنبض
بالحياة مقدمة لملتقى التميز المؤسسي المنعقد بمدينة بورتسودان
الجمود الفكري والتسلط
الاداري وعداوة التطور:
إن التسلط
الإداري من أبرز معوقات نجاح المؤسسة، بل قد يكون المعول الأول في هدم أي بناءٍ
مؤسسي والباعث الرئيس للتدمير الذاتي لكيانها ، وأخطر نواتجه اغتيال العقل والنفس والتي
تمثل سلامتهما أهم أركان الإبداع والتطور والتحديثة.
إن الشخصية
والنمط النرجسي المتضخم ترى أن تحقيق
النفوذ الشخصي عبر إلغاء الآخرين الذين هم بالنسبة إليه مجرد أدوات مسخّرة لتنفيذ
ما يرغب، تستتر هذه الشخصية خلف جمودها وسلطويتها لقمع الآخرين كونها تعجز عن
النقاش وتقبّل الحقائق ومواكبة الحداثة، يجعلها ترى العالم من حولها من خلال
منظورها المشوه
إن المؤسسات
الحديثة إتجهت إلى بناء الإنسان واستثمار طاقاته الإبداعية بإكسابه التعليم
والتدريب المتميز، لأنه يمثل حجر الزاوية في أي تقدم وتطور منشودين، وذلك ما تقف
السلطوية حائلاً منيعاً دون تحقيقه، لذا أمسى الجمود الفكري والفردية المتطرفة
بصبغتها الانتهازية العدو الأشرس للتطور، إن الممارسة الواعية هي الرافد الرئيس
لإنتاج الكوادر البشرية في شتى مجالات العمــل، وهي ما تلزمنا بالضرورة الاعتراف بوجود
وانتشار هذه الإشكالية وخطورتها وضخامة حجمها ليكون العلاج الناجع هو طوق النجاة.
المؤسسات مابين الامس
واليوم :
أجرت شركة ديلويت توش الرائدة في مجال
الاستشارات والمؤسسة منذ العام 1845م إستطلاعاً مهماً إستمر لمدة ثلاث سنوات أصدرت
نتائجه بداية العام الحالي 2016م، وإشتمل الإستطلاع على 7000 إجابة وشمل 30 دولة
وكانت أهم مخرجاته ضرورة إعادة هيكلة المؤسسات بما يتناسب مع التحديات الراهنة في
سوق عمل أكثر شفافية وتنافسية والذي يتحقق بعدة تعديلات جوهرية في عدد من الجوانب
نستعرضها في هذه الورقة وسمت هذه التعديلات بمفهوم : "المؤسسة الجديدة"
تحسين نمط القيادة :
ذهبت الدراسة الى أن التسلط الاداري سمة
خطيرة تؤثر سلباً على المؤسسات وتجعل منها مع الزمن مؤسسات خاصة بقادتها، ولا تدين
بأي ولاء لأهدافها والغايات التي وجدت لتحقيقها، هذه المؤسسات في أحسن الحلات تحيى
وتموت بموت هؤلاء المسلطون، وتظل تخدم مصالح ضيقة، للمتنفذين والمتنمرين تحت حماية
القائد المتسلط، لذا ترى أن إتباع النمط القيادي الديكتاتوري الذي يتشكل في وجوه
متعددة لا يتبنى غير إسلوب واحد قديم لا يتسم بالقابلية للتطور واستيعاب الافكار
الجديدة مما يجعل هذه المؤسسات تتآكل بفعل الزمن حتي يكتب لها الفناء .
تفويض أوسع للشباب :
خلصت الدراسة الى أن المؤسسات الشابة
(تضم أعداد أكبرمن الشباب) هي مؤسسات تميل الى الحداثة وتبنى التكنولوجيا والافكار
الجديدة وتكون بطبيعة الحال أكثر قدرة على إستشراف المستقبل، لأن المجموعة
الشبابية المفوضة لادارة العمل وتنفيذ كافة المهام تعطي المؤسسات حيوية كبيرة
ونشاط كبير أكثر من مؤسسات يتحكم فيها كبار السن حتى في مواقع التنفيذ، إن تقييد
الحركة الاكثر نشاطاً في المؤسسات وتهميشها قد يدفعها الى التمرد وتبنى اتجاهات
مدمرة وتجعلها تتكتل ضمن مجموعات مناوئة تعمل عكس ارادة من قام بإهمالها كقوة
إضافية يمكن أن توجه نحو العمل لا العكس.
تحليل الجمهور :
عابت الدراسة على المؤسسات القديمة
إهمالها في أغلب الحالات للجمهور، فالاهتمام بنصب على رغباتهم كوسيلة لإخراج
الاموال من جيوبهم دون النظر الى مصلحة متوازنة تحتمها علاقة استراتيجية تتصف
بالعدالة والشفافية ، كما أبانت أن "المؤسسة الجديدة" مؤسسة تضع العميل
نصب أعينها، وتحلل كآفة الجوانب التي تتعلق به فهي تعمل على تلبية رغباته وإدهاشة،
فخصائص مثل السن والنوع والحالة الصحية والاعتبارات العقدية والثقافية يجب أن
تراعى عن تصميم المباني والخدمات والسلع ولا هرب الجمهور أو ظل ساخطاً على الادارة
التي ستعيش بلا سند استراتيجي لها مما يعرضها للتهديد المستمر.
سلطة فريق العمل :
إن التفويض لسلطة الشباب تدعمه خبرات
فريق عمل متجانب متعدد المهارات والتخصصات لمقابل تحديات متعددة إن سلطة الفريق
يجب النظر اليها باعتبارها نقطة قوة تدعم المؤسسة، فتعدد الفرق العاملة يزيد من
التنافس الداخلي والحماس المهني والدافعية لانجاز خطوات واسعة نحو الريادة،
فالمنفسة أصبحت أمر حتمي فلما لا يتم تبنيها لتحريك شعور إيجابي نحو تفجير طاقات
العاملين باشراكهم كأصلاء في العمل بدلاً من التعامل معهم كموارد وادوات للعمل يتم
استغلالها ثم إستبدالها متى ما رأي المشرون ذلك ضرورياً.
خلق الثقافة المشتركة :
ابانت الدراسة الى ضرورة تبنى ثقافة
مشتركة ضمن بيئة عمل متعددة الأجيال؛ متعددة الجنسيات، والثقافة المشتركة التي
تعنيها الدراسة هي نموذج للمعتقدات المشتركة والاتجاهات والافتراضات والقيم داخل
المؤسسة، وهذه الأشياء التي تكوّن الثقافة المشتركة قد تكون غير واضحة ولكنها في
غياب شكل التعليمات المباشرة تحدد الطريقة التي يتصرف بها الأفراد والطريقة التي
يتفاعلون بها كما أنها تؤثر بشدة في الأساليب التي يتم بها إنجاز الأعمال، وتتخذ
الثقافة المشتركة الصور التالية:
-
القيم :
الاعتقاد بما هو الأفضل والمفيد للمؤسسة وما هو نوع السلوك المرغوب فيه والقيم
تشير إلى الجودة ورعاية الفئات المستهدفة، والعمل الجماعي والتفوق والابتكار
والاهتمام بالأفراد.
-
القواعد أي قواعد السلوك الشفوية - التي توفر التوجيه غير الرسمي عن كيفية التصرف، وهذه
القواعد تشير إلى مظاهر السلوك مثل الأسلوب الذي يتبعه المديرون في معاملة
الأفراد، وأخلاقيات العمل " كالعمل بجدية " والاتزام بالوقت العمل،
والامانة المهنية، المساندة المشتركة.
-
المناخ التنظيمي
كيفية إدراك الأفراد للثقافة المتوفرة لهم في منظمتهم ويمكن قياس إدراكهم بدراسة
اتجاهاتهم وبالتالي قدرة هذه العناصر على تشكيل بيئة العمل والمناخ التنظيمي
للمؤسسة والذي يؤثر بلا شكل على مجمل العمليات داخلها.
-
أسلوب الإدارة
الأسلوب الذي يتصرف به المديرون بكفاءة وفاعلية والأسلوب الذي يمارسون به السلطة،
وقد يكون المديرون مستبدين أو ديمقراطيين صارمين أو متساهلين، أو يكونوا قساة أو
هادئين، موجهين أو غير متدخلين، متباعدين أو يمكن الوصول إليهم، مدمرين أو
مساندين، يوجههم عملهم أم يوجههم غيرهم، متشددين أو مرنين، مراعين لحقوق الغير أو
عديمي الشعور، ودودين أو فاترين، مضطرين أو مسترخين. هذه الاساليب كلها يحدد مصير
المؤسسة لذا لا بد من تقليص دور القائد الاداري عبر سلسلة من توزيعات السلطة داخل
المستويات الادارية.
تطوير
المهنة :
تتطور
المؤسسات الحديثة متزامنة مع تطور معارف ومهارات واتجاهات العملين لديها، ولما
كانت المؤسسات تشتمل على مهن متعددة ولما كان التعلم ضرورة للتطور فإن المؤسسة
الجديدة مدرسة، تنبض حياتها بتخصصات مهنية تتحسن كل يوم، فالاعتقاد بأننا نعرف كل
شئ عن مهننا إعتقاد هدمته مخرجات الانفجار المعرفي والانفتاح نحو الاخر والبيئة
العالمية لمؤسسات الاعمال الجديدة، إن فهم العلاقة بين التميُّز المهني والذكاء
العاطفي واستخدام هذه الصفات لدعم النمو والتقدم الوظيفي الوعي بأهمية
القيم والأخلاق والنزاهة؛ والمبادئ التوجيهية التي ينبغي مراعاتها في سبيل الظهور
كقوة دافعة فعَّالة ومتجددة علمياً ومن خلال ممارسة راشدة إضاة لكيفية تعزيز
الدافع وإدارة وقتك بفاعلية واستخدام التشبيك من أجل زيادة المنافع المتأتية من
المزاوجة بين الموارد المادية و البشرية المتاحة يجعل من السهل علينا تصور مؤسسات
مختلفة عما نراه اليوم.
يمكن
هنا الاستفادة من ملاحظات خبراء الموارد البشرية لتحديد الخصائص الشخصية التي
يتمتع بها الموظفين وأعضاء الفريق المتميِّزين لدعم
الاستراتيجيات الخاصة بالتطور المهني
وكيفية دعمه للتطور المؤسسي مع ضرورة تبنى منهج يحدد رؤيتنا لمستقبلنا المرتبط بمستقبل
الواقع المهنيين داخل مؤسساتنا.
تبني التكنولوجيا :
التكنولوجيا اليوم
تمثل بكافة مخرجاتها العنصر الحاسم في العديد من المجالات، فالمؤسسات القديمة تحد
من قدرة التكنولوجيا على إحداث طفرات والمؤسسات الحديثة تطلق لها العنان وتتبنى
تطبيقاتها، فالحديث يتزايد حول الحكومة الالكترونية المدن الذكية، وتطلق الحكومات والشركات كل يوم خدمات متعددة
لامتناهية تعتمد على التكنولوجيا، فاليوم تندفع الكثير من مدن العالم لإنجاز خطط مختلفة
تشترك جميعها في عنوان “المدن الذكية”. وغالبًا ما تتضمن تفاصيلها تعاقدات
بمليارات الدولارات مع شركات عملاقة مثل “آي بي إم” و”سيمنز” و”سيسكو”
و”جنرال إلكتريك”. وتُسارع هذه المدن إلى إضافة أجهزة الاستشعار إلى صناديق
القمامة وإشارات المرور ومصابيح الشوارع وكاميرات المراقبة، وتهتم بجمع البيانات وتحليلها،
وتُقبِل على تجهيز المنازل بعدادات ذكية تنقل بيانات الاستهلاك في الوقت الحقيقي
إلى شركات المرافق والمستهلكين. كما طورت المدن الحديثة تطبيقات
للهواتف الذكية تخدم أغراضًا متنوعة تتراوح بين الاستعداد لحالات الطوارئ وإتمام
الإجراءات الحكومية إلى الإبلاغ عن وقائع الفساد. وتُطلق أنظمةً مرنة للنقل تجمع
بين الحافلات وبرامج مشاركة متعددة، فضلًا عن سعيها لاستكشاف إمكانات السيارات
ذاتية القيادة والروبوتات وإنترنت ، ونلحظ تغلغل تحليلات البيانات في الكثير من
مناحي الإدارة الحكومية ليدخل الامر حيز قدرة الحكومات على مراقبة كل شبر وكل شئ
عن طريق التكنولوجيا، هذا اضافة على الجوانب الاخري للتكنولوجيا.
ما
سبق يحتم على مؤسساتنا التعامل مع التكنولوجيا شائت أن أبت، والاولى تبنيها كعنصر
جذب وقوة لا التعامل معها كمهدد يجب التحصن ضده كما هو الحال في برامج محاربة
ومكافحة الغزو الفكري فالنظر هنا سالبة لا تصلح لمؤسسات تتصيد فرص التطور وتحسب أن
كل جديد فيه فرصة تلوح في الافق لمستويات أفضل في سبيل النمو والحداثة.
ختاماً : نختم بتساؤل هل كل ما سبق يمثل
مخرج للمؤسسات من الانحدار في وحل التخلف والتأخر؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق